أحمد قليج وساندرا عيسى: زمن الدم
«وجوه مبعثرة» بين تونس ومصر وسوريا
قليج وعيسى في المعرض
حسين بن حمزة
ربما هي من المرات
النادرة التي تتحقق فيها فكرة «المعرض المشترك» بطريقة صائبة وجذابة، فقد اشتغلت
«غاليري جانين ربيز» على جمع تجربة السوري أحمد قليج (1964) واللبنانية ساندرا
عيسى (1984) بمواجهة اللحظة العربية المعاصرة. تحت عنوان «وجوه مبعثرة»، وُزِّعت
الأعمال المعروضة على حائطين متقابلين، بحيث بدا أنّ الأعمال نفسها تتبادل وجهتي
نظر متقاربتين حول الموضوع نفسه، وإن كان ذلك يحدث بمزاجين مختلفين، وبتقنيات
وتأليفات مختلفة أيضاً.
يرسم قليج وجوه السوريين
المدماة، ونظراتهم القلقة، وقاماتهم المكسورة، بألوان الإكريليك المسفوحة على صور
الأمكنة المهدمة، والحقائب والأغراض الملقاة بجانب نازحين وهاربين من جحيم القصف
والاشتباكات، بينما تستخدم ساندرا عيسى قصاصات الجرائد المدعومة بسُمك القماش، كي
تؤلف بالإكريليك وبمواد مختلفة ما تعكسه نشرات الأخبار وأفلام اليوتيوب عن الأحداث
ذاتها. هكذا، تتوالى الوجوه الغاضبة في التظاهرات، ووجوه المقاتلين والجنود،
ومشهديات اللجوء والمدن والشوارع المدمرة. الرسامة الشابة تحاول الجمع بين المادة
التراجيدية والصاخبة للموضوع، والخفّة الكونديرية غير المحتملة لطريقتها في إنجاز
ذلك. تتخلى اللوحات عن البرواز التقليدي، وعن فكرة أن تكون مستطيلة أو مربعة،
وتكتفي بحافات القصاصات المتآكلة بفعل الحرق والتمزيق المتعمّد. كأنّ اللوحات
يُراد لها أن تحتفظ بنكهة الصحيفة والأخبار والصور التي تنشر فيها. النظر إلى
الواقع هنا يخضع لممارسات فنية أكثر معاصرةً من «فن اللوحة»، الذي نراه في أعمال
زميلها القادم من محترف سوري غني ومتعدد، ومن جغرافية شمال سوريا المعروفة
بتعبيراتها التشكيلية القوية والخصبة، وخصوصاً لدى الرسامين ذوي الأصول الكردية.
أحمد قليج هو ابن هذه التعبيرات التي تكتسب ثراءً وقسوة إضافية بحسب الحال التي
وصلت إليها سوريا اليوم، وهي تطرح تحديات جديدة ومؤلمة على تجربته القائمة على
استثمار التشخيصات والملامح البشرية، واستدراج الهلع الذي يسيل من العيون والجروح
والأنقاض. بطريقة ما، تبدو أعمال ساندرا عيسى تمهيداً بصرياً لأعمال قليج المتورطة
أكثر في النتائج المتأخرة للحدث. كأنّ صور التظاهرات في مصر وتونس، والوجوه
والقبضات والأعلام المرفوعة في بدايات «الربيع العربي»، لا تزال تجد صداها في
قصاصات الرسامة الأقرب سناً إلى أحلام وطموحات شباب هذه الحقبة، بينما يتحول ما
بدا حلماً وردياً إلى كوابيس مرعبة في أعمال قليج. لعل الفرق قادم من هول الحالة
السورية مقارنةً بأحوال مصر وتونس، لكن هذا الفرق يشتغل في خدمة المعرض الذي يكتسب
تنوعاً في الرؤية والخلاصات.
تحت السطح الصاخب للأعمال المعروضة، وتحت الخطاب السياسي الذي ينبعث منها، لا يزال ممكناً أن نمتدح براعة التأليفات في لوحات قليج التي واظبت في معارض سابقة على استقبال وجوه البسطاء والمقهورين، لكنهم هذه المرة أكثر قهراً وحزناً. الألوان الكالحة توحّد مناخ لوحاته الـ 14 التي لا تحمل عناوين محددة، ولا تحتاج أصلاً إلى هذه العناوين طالما أنها تؤرخ بوضوح لخراب الأرواح والأمكنة السورية. تُدهشنا الوجوه المضمَّدة، والوجوه الزائغة الملامح، بمقدار ما تُدهشنا الأصول الفوتوغرافية الملتقطة بذكاء لمشاهد الأبنية المبقورة المثقلة بشرفات الطوابق المُسبلة كأذرعة مشلولة على الأجساد الإسمنتية. إنها لوحات عن الحرب في زمن الحرب. في المقابل، تُشغل أعمال ساندرا عيسى بإظهار المذاقات والانطباعات المعاصرة من الزمن نفسه، حيث تتصالح ممارسات الفنانة مع انضوائها في حساسيات راهنة ومستقبلية لدى الجيل الذي تنتمي إليه. هكذا، تتسع أعمالها لمناصرة حقوق المثليّين في قبلة بين فتاتين، وأخرى بين رجلين. وتتسع لمطالبات اجتماعية ونسوية تظهر على شكل جملة مثل My pussy My choice تتصدر إحدى اللوحات.
تحت السطح الصاخب للأعمال المعروضة، وتحت الخطاب السياسي الذي ينبعث منها، لا يزال ممكناً أن نمتدح براعة التأليفات في لوحات قليج التي واظبت في معارض سابقة على استقبال وجوه البسطاء والمقهورين، لكنهم هذه المرة أكثر قهراً وحزناً. الألوان الكالحة توحّد مناخ لوحاته الـ 14 التي لا تحمل عناوين محددة، ولا تحتاج أصلاً إلى هذه العناوين طالما أنها تؤرخ بوضوح لخراب الأرواح والأمكنة السورية. تُدهشنا الوجوه المضمَّدة، والوجوه الزائغة الملامح، بمقدار ما تُدهشنا الأصول الفوتوغرافية الملتقطة بذكاء لمشاهد الأبنية المبقورة المثقلة بشرفات الطوابق المُسبلة كأذرعة مشلولة على الأجساد الإسمنتية. إنها لوحات عن الحرب في زمن الحرب. في المقابل، تُشغل أعمال ساندرا عيسى بإظهار المذاقات والانطباعات المعاصرة من الزمن نفسه، حيث تتصالح ممارسات الفنانة مع انضوائها في حساسيات راهنة ومستقبلية لدى الجيل الذي تنتمي إليه. هكذا، تتسع أعمالها لمناصرة حقوق المثليّين في قبلة بين فتاتين، وأخرى بين رجلين. وتتسع لمطالبات اجتماعية ونسوية تظهر على شكل جملة مثل My pussy My choice تتصدر إحدى اللوحات.
«وجوه مبعثرة». حتى 21
أيلول (سبتمبر) ـــ «غاليري جانين ربيز» (الروشة) ــ للاستعلام: 01/868290
ادب وفنون
العدد ٢١٠٠ الثلاثاء ١٠
أيلول ٢٠١٣
مقالات أخرى لحسين بن حمزة:
مقالات «الأخبار» متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، ٢٠١٢
(يتوجب نسب المقال الى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية - يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص)
لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا
من نحن | وظائف
شاغرة | للإعلان معنا | شروط
التعليق | إتصل بنا | أرشيف الأعداد | سينما | RSS | اشتراكات
online@al-akhbar.com
online@al-akhbar.com
Links:
[1] https://twitter.com/hbinhamza
[2] http://www.al-akhbar.com/node/190385
[3] http://www.al-akhbar.com/node/190126
[4] http://www.al-akhbar.com/node/190124
[5] http://www.al-akhbar.com/node/189977
[1] https://twitter.com/hbinhamza
[2] http://www.al-akhbar.com/node/190385
[3] http://www.al-akhbar.com/node/190126
[4] http://www.al-akhbar.com/node/190124
[5] http://www.al-akhbar.com/node/189977
أحمد
قليج وساندرا عيسى في “غاليري جانين ربيز”
لوحة للرسامة ساندرا عيسى
“وجوه مبعثرة”، هو معرض
ثنائي مشترك يقام في “غاليري جانين ربيز”، الروشة، للفنانة اللبنانية ساندرا عيسى
(1984) والفنان السوري أحمد قليج (1964) ويستمر الى 21 ايلول.
يختلف الفنانان في
الأسلوب، غير ان افكارهما ومعاناتهما تنبعان من مشكلات جيليهما وأحوال بلديهما،
وخصوصاً ما تشهده المنطقة من تحولات وانتفاضات وثورات تطمح كلها الى التحرر من
الاضطهاد والديكتاتورية والطغيان التي تخنق الانسان العربي وتجعله يقاومها من اجل
الحرية والديموقراطية.
يعطي المعرض فكرة عما
يحدث من حولنا وفي قلب ديارنا، ريثما ينطفئ بريق العنف ويحل الهناء الذي يجعل
بلدنا من جديد عنوان الحرية والديموقراطية.
لوحة للرسام السوري احمد قليج
معرض - أحمد قليج وساندرا عيسى في "غاليري جانين ربيز": أسلوبان
تجمعهما تراجيديا الوجوه المبعثرة
·
·
·
·
لور غريب
10
أيلول 2013
"وجوه
مبعثرة"، هو معرض ثنائي مشترك يقام في "غاليري جانين ربيز"،
الروشة، للفنانة اللبنانية ساندرا عيسى (1984) والفنان السوري أحمد قليج (1964)
ويستمر الى 21 ايلول.
يختلف الفنانان في الأسلوب، غير ان افكارهما
ومعاناتهما تنبعان من مشكلات جيليهما وأحوال بلديهما، وخصوصاً ما تشهده المنطقة من
تحولات وانتفاضات وثورات تطمح كلها الى التحرر من الاضطهاد والديكتاتورية والطغيان
التي تخنق الانسان العربي وتجعله يقاومها من اجل الحرية والديموقراطية.
ساندرا عيسى
تختار عيسى الوجوه التي تنشر في الصحف والافكار والمقالات والتحقيقات والتعليقات كقاعدة موحدة لاعمالها، ممزوجة بأقمشة وقطع أثاث واشياء من الحياة اليومية التي تعتبرها جلدنا الثاني، اي الغلاف الحامل الثقافة والهوية. في تقنيات متنوعة، تدفع الفنانة الوجوه إلى المواجهة او التظاهر لجبه الاضطهاد ووسائل القمع والتوقيف والسجن التي يتعرض لها كل من يقاوم حجز الحريات.
رسومها عنيفة بأحمرها وتكويراتها السوداء ونظراتها المتوجهة الى هناك حيث الافق، والشعارات والاكاذيب التي تعاكس الواقع وتستعمل حججا للتغلب على الناس. تستعمل الواقع القاسي في تعابير الوجوه، وتنقل بغضب وبعنف التظاهرات واللقاءات بين فئات الشعب، الصغار والكبار، المحتجين وحاملي الاعلام، والاخرين المجهولين في خضمّ الزخم الشعبي. لا تحاول تجميل المشاهد بل ترسمها في عنفها وغضبها وتجهيل اصحابها لأن البحث عن الحقيقة هو ما يدفعها إلى ذلك، الحقيقة التي توجع ولا يمكن التغاضي عنها.
رسومها على كرتون مكسور او مقصوص او مطوي بحسب طبيعة استعماله الاولى، وهي تجيد استخدام المادة لتأتي مناسبة للموضوع الذي تعالجه. لا اضافات ولا زخرفات ولا تجميلات مشهدية بل القليل منها، من مثل بناية مائلة نحو الارض او اخرى نابتة من بين الاجساد، وهي نادرا ما تكمل المنظر ليبدو صورة مألوفة منفذة فقط لارضاء العين، مكتفيةً برسم رمزية الحدث بأقل الخطوط والالوان الممكنة، مسقطةً من حسابها كل ما يطرّي الاجواء ويجعل عملها رسالة مجاملة ترمي الى محاكاة المشاعر قبل العقل والدعوة الى الانتفاض والنقمة ورفض الواقع المؤلم والقاهر.
ساندرا عيسى
تختار عيسى الوجوه التي تنشر في الصحف والافكار والمقالات والتحقيقات والتعليقات كقاعدة موحدة لاعمالها، ممزوجة بأقمشة وقطع أثاث واشياء من الحياة اليومية التي تعتبرها جلدنا الثاني، اي الغلاف الحامل الثقافة والهوية. في تقنيات متنوعة، تدفع الفنانة الوجوه إلى المواجهة او التظاهر لجبه الاضطهاد ووسائل القمع والتوقيف والسجن التي يتعرض لها كل من يقاوم حجز الحريات.
رسومها عنيفة بأحمرها وتكويراتها السوداء ونظراتها المتوجهة الى هناك حيث الافق، والشعارات والاكاذيب التي تعاكس الواقع وتستعمل حججا للتغلب على الناس. تستعمل الواقع القاسي في تعابير الوجوه، وتنقل بغضب وبعنف التظاهرات واللقاءات بين فئات الشعب، الصغار والكبار، المحتجين وحاملي الاعلام، والاخرين المجهولين في خضمّ الزخم الشعبي. لا تحاول تجميل المشاهد بل ترسمها في عنفها وغضبها وتجهيل اصحابها لأن البحث عن الحقيقة هو ما يدفعها إلى ذلك، الحقيقة التي توجع ولا يمكن التغاضي عنها.
رسومها على كرتون مكسور او مقصوص او مطوي بحسب طبيعة استعماله الاولى، وهي تجيد استخدام المادة لتأتي مناسبة للموضوع الذي تعالجه. لا اضافات ولا زخرفات ولا تجميلات مشهدية بل القليل منها، من مثل بناية مائلة نحو الارض او اخرى نابتة من بين الاجساد، وهي نادرا ما تكمل المنظر ليبدو صورة مألوفة منفذة فقط لارضاء العين، مكتفيةً برسم رمزية الحدث بأقل الخطوط والالوان الممكنة، مسقطةً من حسابها كل ما يطرّي الاجواء ويجعل عملها رسالة مجاملة ترمي الى محاكاة المشاعر قبل العقل والدعوة الى الانتفاض والنقمة ورفض الواقع المؤلم والقاهر.
أحمد قليج
بعكس ساندرا عيسى، يطل الفنان السوري احمد قليج الذي يعمل حاليا في لبنان، بلوحات التعبيرية تغرق في وحدة قاتلة، حيث مساحات مونوكرومية مجردة من اي عنصر تزييني. نماذج اتية من العدم ومتوجهة الى السديم، حتى أن الزائر لا يستطيع تحمل النظرات الغارقة في الوجوه. كرويات شبه سوداء لا تحمل هوية ولا اضافات تعريفية. مشاهد نلمح فيها متاريس، وفي عمق الصورة مجموعات سوداء يفترض ان تكون لعساكر او مقاتلين، وتعلو هذا التجمع بقعة صغيرة زرقاء تدل على اننا في سهل تجري فيه اشياء مخيفة لا نريد التأكد من انها معارك يسفك فيها الدم وتمزّق الاجساد.
يتمتع الفنان بموهبة لافتة في تقديم لوحات ذات ديكورات مختلفة تزيد من رهبة المشهد وشدة التأثير المرئي على الزائر. يتفنن في استعمال الالوان الفاتحة نوعا ما، بعد ان يكون قد نفذ الحالة الدرامية كما يجب. تلك الالوان المضافة تمثل نوعا من تهوئة للموضوع كي لا تبقى العيون جاحظة فقط على الحالة الدرامية.
تتنوع مواضيعه وتلفت الدروس التي تمزق المشاعر الانسانية، وتستفيد لوحات اخرى من فراغات كبيرة والوان شبه مونوكرومية تغطي الفراغ التشكيلي وتبقي بعضا من وجه وبعضا من اشارة دموية وكثيرا من الاصفرار الذي يغزو اللوحة ويجعلها مجردة من الايقاعات الفرحة.
يعطي المعرض فكرة عما يحدث من حولنا وفي قلب ديارنا، ريثما ينطفئ بريق العنف ويحل الهناء الذي يجعل بلدنا من جديد عنوان الحرية والديموقراطية.
بعكس ساندرا عيسى، يطل الفنان السوري احمد قليج الذي يعمل حاليا في لبنان، بلوحات التعبيرية تغرق في وحدة قاتلة، حيث مساحات مونوكرومية مجردة من اي عنصر تزييني. نماذج اتية من العدم ومتوجهة الى السديم، حتى أن الزائر لا يستطيع تحمل النظرات الغارقة في الوجوه. كرويات شبه سوداء لا تحمل هوية ولا اضافات تعريفية. مشاهد نلمح فيها متاريس، وفي عمق الصورة مجموعات سوداء يفترض ان تكون لعساكر او مقاتلين، وتعلو هذا التجمع بقعة صغيرة زرقاء تدل على اننا في سهل تجري فيه اشياء مخيفة لا نريد التأكد من انها معارك يسفك فيها الدم وتمزّق الاجساد.
يتمتع الفنان بموهبة لافتة في تقديم لوحات ذات ديكورات مختلفة تزيد من رهبة المشهد وشدة التأثير المرئي على الزائر. يتفنن في استعمال الالوان الفاتحة نوعا ما، بعد ان يكون قد نفذ الحالة الدرامية كما يجب. تلك الالوان المضافة تمثل نوعا من تهوئة للموضوع كي لا تبقى العيون جاحظة فقط على الحالة الدرامية.
تتنوع مواضيعه وتلفت الدروس التي تمزق المشاعر الانسانية، وتستفيد لوحات اخرى من فراغات كبيرة والوان شبه مونوكرومية تغطي الفراغ التشكيلي وتبقي بعضا من وجه وبعضا من اشارة دموية وكثيرا من الاصفرار الذي يغزو اللوحة ويجعلها مجردة من الايقاعات الفرحة.
يعطي المعرض فكرة عما يحدث من حولنا وفي قلب ديارنا، ريثما ينطفئ بريق العنف ويحل الهناء الذي يجعل بلدنا من جديد عنوان الحرية والديموقراطية.
laure.ghorayeb@annahar.com.lb